بعد أكثر من سنة من حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، هذه شهادة على فصول غائبة منها، أسجلها في صباح الأربعاء ال٣٠ من تشرين أكتوبر ٢٠٢٤، من شمال غزة الشاهد والشهيد، من بين القنابل وأطنان وأرتال الموت، وفتات اللحم والعظم ودمنا المسفوح في الشوارع والمصارع، ومن بين هذه الوجوه الشاحبة الكريمة والبطون الخاوية الجائعة والقلوب الكسيرة الفقيدة، وتلك العزائم التي ادخرت القماش الأبيض أكفاناً لشهدائها وما رفعته رايات استسلام بل أعلته ألوية ثأر عليها دمنا، من بين هذه القلة المنصورة بتأييد ووعد الله، المخذولة من كل قريب وبعيد، المذبوحة بصمت ٍ أياماً وأياماً أخرى أمام الشهود على البث المباشر، سأحدثكم .. أما ما شاهدتموه فتعرفونه، واليوم سأحدثكم عن أيامٍ من الصمت والغياب أملاً أن تعرفها الأجيال فتأخذ حقها من القصاص والثأر.
يمكن هذا أصعب شئ ممكن تعايشه أو عشناه في الحرب، أصعب من الموت نفسه والجوع والحصار والخوف وكل شئ، أصعب اشي العجز والوقوف متفرجاً دون أن تستطيع أن تفعل شئ أو دون أن تعرف ماذا تفعل لأنه ما في خيارات كلشي أبيد كلشي انمحى كلشي تعطل، والأصعب كمان إنك ما تكون عارف شو بيصير، لما يكون القصف بعيد عنك شارع أو شارعين يعني جارك وبنفس الحارة وإنت مش قادر تطلع من مكانك أو دارك تشوف شو صاير، وممكن كمان تكون سامع صراخهم وبتأمل حالك حد أقرب منك ينزل يشوفهم ويساعدهم أو ينقذهم، تراجيديا مأساوية بكل معنى الكلمة، أذكر في أيام الشتاء الطويلة في أول الحرب كان القصف مرعب ولا يتوقف بالمطلق طوال الليل أصوات لا تحتملها الجبال اصوات جداً مرعبة أهوال.. عشان هيك ما كنا ننام ولا تغمض لنا جفن بالمطلق، قاعدين في فراشنا متغطيين لكن صاحيين، ممكن مع التعب تغفو دقائق ثم تعاجلك غارة جديدة فتصحو من جديد، وتسأل اللي جنبك إنت صاحي؟! أو تطمنوا وتحكيلي بعيدة تخافش، ويا حبيبي لو كان اللي معك بالغرفة قلبه ضعيف ومش متحمل، فوق خوفك هو لحاله كوم تاني، بتلاقيه صار يرتعش من الخوف وقلبه يدق بسرعة تقول بده يفط من صدره، ويأخذ الغطاء يجعله على أذنيه يغطي به رأسه ويجمع رجليه إلى صدره يعصر نفسه على نفسه من شدة الخوف، لسانك لا يتوقف عن الدعاء بدعاء إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار، تسأل الله كما نجى نبيه منها أن ينجينا من هذه الأهوال، وتأخذ في الدعاء حسبنا الله ونعم الوكيل .. بردا وسلاما يا رب.. أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.. بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم، وهكذا حتى يطلع النهار، أو يسكت القصف؟ لا لا فالقصف لا يسكت، وإذا سكت كنا نخاف أكثر لأنه سيفاجئك في أي لحظة وغالبا ما يفاجئك بقصف مكان قريب منك كثيراً وحدث ذلك مرارا بقصف بيوت حولنا بعد فترة من الهدوء، ولذلك كنا نكره أو نخاف من الهدوء، هذه الليالي كانت ليالي مركبة من الرعب والخوف والإمعان في القتل وتقصده، كله مقصود عشان الناس تتأدب تخاف وتشرد من بيوتها على الجنوب، وما عمرهاش تفكر ترفع حجر تقاوم فيه.
عمد الاحتلال إلى قصف مستمر وشديد استمر شهوراً طاف به معظم مناطق غزة وشمالها، بيوت وعمارات وأبراج كاملة كان ينسفها في أحزمة نارية لم نشهدها من قبل قنابل فتاكة مرعبة شديدة التدمير، وكثير من هذه المساكن كانت مأهولة بالسكان، لم يكن يحذر أحد بالمطلق، يقصف فقط فتنهال المباني على رؤوس العوائل، المحظوظ اللي كان القصف قريباً منه فسارع بأخذ عائلته والهرب، واللي أصابه القصف خلص راحت عليه، يعني الفكرة مين يفدي مين، ومن وين يبدأ الطيار، عشان هيك كثير ناس مئات العوائل في الشهور الأولى قتلوا ولم يعرف عنهم أحد شيئاً، ليش؟!
لأنه هول القصف كان شديد واستمر شهوراً، وأتى على كل شئ تقريباً، وخاصة محولات الكهرباء، مقاسم الانترنت، أي مبنى عليه ألواح طاقة شمسية، أي مبنى يحوى أجهزة تقوية إرسال لشركات الاتصالات، آبار المياه، المستشفيات والمستوصفات المحلية في الأحياء، محلات بيع البقالة الكبرى، كل شئ يتحرك كان يقصف، عشان هيك ليلاُ ونهاراً لا تجد حركة في الشوارع إلا النازحين الهائمين على وجوههم هرباً من الموت، وفي الليل سواد حالك، لا كهرباء لا اتصالات لا مياه لا سيارات لا حركة ولا شئ، ولهيك كثير من القصف أو غالبيته كان في الليل، وعليه كان الناس يقصفون ولا يعرف عنهم أحد شيئاً، فش اتصالات ولا في اخبار، ولو كان القصف قريب كان الناس يخافون الخروج للنجدة وينتظرون طلوع النهار، وازداد هذا الأمر تراكباً وتعقيداً مع هجوم جيش الاحتلال على مستشفى الشفاء، وكان يومها آخر مستشفى يعمل في شمال غزة، فإنت تخيل التالي، ضاقت الأماكن بالناس فأخذوا يخرجون من المناطق على الأطراف الشرقية والغربية ويتجمعون عند أقاربهم في وسط المدينة، فتجد البيت وقد استقر فيه عشرات العوائل من الأقارب والأصهار، يعني بيت من ٣-٥ طبقات ممكن تحصي فيه اكثر من ٢٠٠ شخص، والاحتلال كان يعرف ذلك ويتعمد قصف هذه المنازل بمن فيها، عشرات الشهداء يقتلون ويتقطعون على الفور، وعشرات أخر يتبخرون ولا تجد لهم أثرا، وعشرات يتركون تحت الأنقاض والركام لا أحد يستطيع الوصول إليهم وإخراجهم واليوم عدد هؤلاء تجاوز العشرة آلاف، الآن المشهد بيكون كالتالي، صار القصف الناس مقطعة ومنثورة في الشوارع، لو أقدم أي أحد لنجدتهم بيتم إطلاق النار عليه أو قصفه على الفور، وخاصة سيارات الاسعاف وغالباً بعد هيك بطلت سيارات الاسعاف تتحرك لانه مفش ضمان بعدم استهدافهم او مفش وقود او ما وصلهم خبر عن القصف من الاساس لانه ما في اتصالات، ويبقى الناس في الشارع والجرحى ينزفون حتى الصباح وغالباً في مراحل ما يبقى هذا المشهد على حاله حتى انتهاء العدوان على هذه المنطقة اي بعد اسبوعين او شهر او شهرين، الجرحى يموتون لا يجدون من يسعفهم ويظلون في الشوارع فتتحلل الجثث وتنهشهم الكلاب والقطط، ولو رجعنا للناس اللي تحت الأنقاض فكلٌ بقي في مكانه وعلى حاله، وغالباً بيكون بعضهم إصابات أو أحياء فيبقون عالقين ويموتون خنقاً، وبيكون الأعداد مش بسيطة يعني بالعشرات وعوائل بأكملها، وهذا الحدث قد يتكرر في أكثر من مكان في نفس اليوم أو في اليوم التالي وهكذا، والخطير والمفزع في الامر إنه كثير من هذه الجرائم وهذه المجازر لا يسمع عنها احد لأنه الطريقة الوحيدة عشان الناس تعرف أنه الصحفيين والأطباء يعرفوا وهؤلاء موجودون في المستشفيات، طيب لما المستشفى أصلاً يتحاصر أو يخرج عن الخدمة ويعتقل من فيه أو يقتلوا، اللي بيصير إنه الناس بتبطل قادرة تصل المستشفيات أو تبلغ عن شهداءها ومصابيها، فما حد بيعرف بهذه المجازر إلا بعد انسحاب الاحتلال وهذا رهن بالزمن وقد يمتد لشهور، وملخص الاستراتيجية قطع كل أسباب التواصل والحياة وإخراج المستشفيات عن الخدمة وقتل كل مقدمي الخدمات من كوادر طبية ومسعفين ودفاع مدني، ومنع الحركة في الشوارع، وقصف الناس في بيوتهم وإحداث أكبر قدر من الموت فيهم، وتركهم بجراحهم دون تدخل طبي ومع قلة الأكل والماء يموت الناس بصمت لا يعرف عنهم احد بالقتل المباشر أو النزف حتى الموت أو الخنق تحت الركام، بالأمس في بيت واحد في مشروع بيت لاهيا لعائلة ابو النصر أكثر من ١٢٠ شهيد في ضربة واحدة، وكل من يصل مستشفى كمال عدوان يموت سواء بقصفهم على بوابة المستشفى مرة أخرى أو على أسرة المستشفى بعدم وجود اطباء وجراحين يتدخلون طبياً لإيقاف النزيف أو اجراء العمليات وذلك بعد اعتقالهم جميعاً، وبهذا ينقطع أمل الناس في النجاة، فوجود الطواقم الطبية والمستشفيات العاملة من دواعي الصمود وثبات الناس في أماكنهم، لأنه ملجأهم عند أي إصابة أو خطر، ولكن هذا المحتل الصهيوني النازي تجاوز بصلفه وحقده كل الخطوط الحمر وانتهك كل شريعة سماوية أو حقوقية أو إنسانية، ومع كل هذا الترويع والإمعان في التشفي والقتل والإبادة ما يزال الناس صامدين في أرضهم في شمال غزة، وقبل ما أختم إنتو مش متخيلين مع نهاية النهار وبداية دخول الليل الجو موحش ورائحة الموت تحوم من حولك مع الريح يكون حد عزيز عليك بينزف بين إيديك وإنت مش قادر توديه مستشفى أو تعملو اشي وفش حد حواليك يُشير عليك او يواسيك.. مقدار الوحشة والخوف والاغتراب والغصة والألم لا يوصف .. ولا حول ولا قوة الا بالله.

الشهادات (1)

سجل شهادتك على هذه الحادثة.

anonymous person

قائمة شهداء عائلة أبو نصر الذين تم دفنهم

باقي ما يقارب 125 شهيد تحت الانقاض ، أسماء الشهداء:

1- محمد عيسى بركة ابو نصر
2- أريج مروان عيس ابو نصر
3- رائد محمد عيسى ابو نصر
4- أحمد محمد عيسى ابو نصر
5- أيمن محمد عيسى ابو نصر
6- هيما اسماعيل أبو نصر
7- رانيا محمد عيسى ابو نصر
8- ريهام محمد عيسى ابو نصر
9- شام احمد محمد ابو نصر
10- رمزي نصر خميس ابو نصر
11- حمزة رمزي نصر ابو نصر
12- نصر رمزي نصر ابو نصر
13- سوزان نصر خميس ابو نصر
14- نبيل هاني نبيل ابو نصر
15- ضياء هاني نبيل ابو نصر
16- حلا هاني نبيل ابو نصر
17- حسين هاني نبيل ابو نصر
18- محمد نصر خميس ابو نصر
19- خلود عماد عايش ابو نصر
20- تالا محمد نصر ابو نصر
21- لارا محمد نصر ابو نصر
22- سوار محمد نصر ابو نصر
23- صلاح محمد نصر ابو نصر
24- صابرين فرح بركة ابو نصر
25- ملك عيسى نبيل ابو نصر
26- مروة عيسى نبيل ابو نصر
27- غزل عيسى نبيل ابو نصر
28- شهد نضال عيسى ابو نصر
29- منار فرح بركة ابو نصر
30- محمد وائل عدنان ابو نصر
31- عيسى وائل عدنان ابو نصر
32- محمد فرح بركة ابو نصر
33- منار محمد فرح ابو نصر
34- فرح محمد فرح ابو نصر
35- مروان فرح بركة ابو نصر
36- نبيل عيسى بركة ابو نصر
37- فتحية عدنان بركة ابو نصر
38- فتحي نبيل عيسى ابو نصر
39- حنين نبيل عيسى ابو نصر
40- زين اسماعيل ابو نصر
41- سهى شوقي عيسى ابو نصر
42- ليان حسام نبيل ابو نصر
43- بكر حسام نبيل ابو نصر
44- ياسين حسام نبيل ابو نصر
45- معاذ حسام نبيل ابو نصر
46- عايدة شوقي عيسى ابو نصر
47- هدى نبيل عيسى ابو نصر
48- اسماعيل محمد ابو نصر
49- مي محمد ابو نصر
50- اميرة محمد ابو نصر
51- يوسف محمد ابو نصر
52- علي محمد ابو نصر
53- محمود عيسى بركة ابو نصر
54- سهى عدنان بركة ابو نصر
55- ريم محمود عيسى ابو نصر
56- عبدالله محمود عيسى ابو نصر
57- محمد محمود عيسى ابو نصر
58- هدى محمود عيسى ابو نصر
59- آمنة بركة محمد ابو نصر
60- نسرين عايش منصور ابو نصر
61- اسراء شادي سمير ابو نصر
62- عثمان شادي سمير ابو نصر
63- محمد شادي سمير ابو نصر
64- احمد شادي سمير ابو نصر
65- عماد معين عايش ابو نصر
66- أنس أشرف عايش ابو نصر
67- عماد عايش منصور ابو نصر
68- ماجدة ابراهيم ابو نصر
69- نجاة عماد عايش ابو نصر
70- براء عماد عايش ابو نصر
71- سعيد عماد عايش ابو نصر
72- يزن فريد شوقي ابو نصر
73- هديل فريد شوقي ابو نصر
74- فاطمة عدنان بركة ابو نصر
75- علاء عيسى بركة ابو نصر
76- حسن علاء عيسى ابو نصر
77- محمد علاء عيسى ابو نصر
78- الهام ابراهيم ابو نصر
79- زينب محمد ابو نصر
80- علاء حرب عصفورة (ابو نصر)
81- سحر فرح بركة عصفورة (ابو نصر )
82- كرم علاء عصفورة (ابو نصر )
83- آدم علاء عصفورة (ابو نصر )
84- مصطفى علاء عصفورة (ابو نصر )
85- صهيب علاء عصفورة (ابو نصر )
86- ايناس علاء عصفورة (ابو نصر)
87- فداء نصر خميس ابو نصر
89- شذى كمال نصر ابو نصر
90-نضال عيسى بركة ابو نصر
91- حمزة نضال عيسى ابو نصر
92- نهى نضال عيسى ابو نصر
93- نور نضال عيسى ابو نصر
94- محمد نضال عيسى ابو نصر
95- غادة عيسى بركة ابو نصر
96- دنيا محمد سمير ابو نصر
97- ندى محمد سمير ابو نصر
98- ندى محمد سمير ابو نصر
99- عايدة محمد سمير ابو نصر
100- حليمة محمد سمير ابو نصر
101- رهف محمد سمير ابو نصر
102- شادي محمد سمير ابو نصر
103- مروان محمد سمير ابو نصر
104- شوقي عيسى بركة ابو نصر
105- يوسف شوقي عيسى ابو نصر
106- ابراهيم شوقي عيسى ابو نصر
107- هبة شوقي عيسى ابو نصر
108- يحي شوقي عيسى ابو نصر
109-حسين محمد ابو نصر
110- امل محمد ابراهيم ابو نصر
111- علي محمد شوقي ابو نصر
112- عبيدة محمد شوقي ابو نصر
113- ضحى محمد شوقي ابو نصر
114- محمد ابراهيم ابو نصر
115- ابراهيم محمد ابراهيم ابو نصر
116- اسماعيل محمد ابراهيم ابو نصر
117- اسيل محمد ابراهيم ابو نصر
118- اية محمد ابراهيم ابو نصر
119- سوار محمد ابراهيم ابو نصر
120- زياد أحمد بركة ابو نصر
121- منير جودت خميس ابو نصر
122- محمد منير جودت ابو نصر
123- عُلا وائل عدنان ابو نصر
124-يوسف سهيل عايش ابو نصر
125- ابراهيم سعيد ابو نصر
126- فادي احمد ابو نصر